سلام عليكم
فوازن ـ رعاك الله ـ بين الدراسة التي أثمرتها هذه الرحلات التي عركت الطلاب الراحلين عركًا طويلاً ، وبين دراسة طلاب جامعاتنا اليوم ! يدرسون فيها أربع سنوات ، وأغلبهم يدرسون دراسة صحفية فردية ، لا حضور ولا سماع ، ولا مناقشة ولا اقتناع ، ولا تطاعم في الأخلاق ولا تأسي ، ولا تصحيح لأخطائهم ولا تصويب ولا تشذيب لمسالكهم ، ويتسقطون المباحث المظنونة السؤال من مقرراتهم ( المختصرة ) ثمَّ يسعون إلى تلخيص تلك المقررات ، ثمَّ يسعون إلى إسقاط البحوث غير الهامَّة من المقروءات ، بتلطفهم وتملقهم لبعض الأساتذة ، فيجدون ما يسرهم وإنْ كان يضرهم ، وبذلك يفرحون .
وبعد ذلك يتعالون بضخامة الألقاب ، مع فراغ الوطاب ، ويوسعون الدعاوي العريضة ، ويجهِّلون العلماء الأصلاء بـآرائهم الهشة البتراء ، وينصرون الأقوال الشاذة لتجانسها مع علمهم وفهمهم ، ويناهضون القواعد المستقرة ، والأصول الراسخة المتوارثة ، ولم يقعدوا مقاعد العلم والعلماء ، ولم يتذوَّقوا بصارة التحصيل عند القدماء ! ولكنهم عند أنفسهم أعلم من السابقين !!
ويشهد المراقب للحال العلمية اليوم : كثرة متزايدة في الجامعيين والجامعات ، وفقرًا متزايدًا في العلم وأهله ، وضحالة في الفهم والمعرفة ، ونقصًا كبيرًا مشهودًا في العمل بالعلم ! وهذه مصيبة من أدهى المصائب ! والله المرجو أن يُلهم المنوط بهم أمور التعليم في البلاد الإسلامية أن يتبصروا بالأمر ، ويتداركوا هذا الخطر قبل تأصُّله وإزمانه ، واستفحال آثاره .
يقول : ولا أتحدث طويلاً عن المبتعثين والراحلين اليوم من شبابنا ، إلى بلاد الغرب والشرق من بلاد الكفار والأعداء للإسلام وأهله ، فإنَّ الناجي من براثن مكايدهم الخفية والظاهرة في العقيدة والخلق والتفكير والسلوك قليل ، وكم من أبنائنا وشبابنا من وقع في حبائلهم ، وذهب في سبلهم ، ورضيهم قادة وسادة ، ونزع ـ بالتالي ـ من ديار الإسلام إليهم ، وتوطن بلادهم مسكنًا ودارًا ، واختارهم على أهله أهلاً وجارًا ، وهو يظن بنفسه أنَّه يحسن صنعًا ، نعوذ بالله من الحور بعد الكور ، ومن الكفر بعد الإيمان " .
صفحات من صبر العلماء ص 109-110 ط مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب . عن منطلقات طالب العلم .